سوف نعتمد في شرح هذه القاعدة على مقتطفات من كتاب القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة للأستاذ الدكتورمحمد مصطفى الزحيلي، والذي جاء فيه ما يلي: -
إن هذه القاعدة من فروع القاعدة الرئيسية ( اليقين لا يزول بالشك) وهي تعني : أن الواقع أو الحكم الذي ثبت في الزمان الماضي، ثبوتا أو نفيا، يبقى على حاله ، ولا يتغير ما لم يوجد دليل يغيره، أو أن الأس والمعيار في الأمور المتأخرة أن تبنى على الأمور المتقدمة، فإذا جهل في وقت الخصومة حال الشيء، وليس هناك دليل يحكم بمقتضاه، وكان لذلك الشيء حال سابقة معهودة ، فإن الأصل في ذلك أن يحكم ببقائه واستمراره على تلك الحال المعهودة التي كان عليها حتى يقوم الدليل على خلاف ذلك، فيصارحينئد إليه..
ويعتمد الدليل المخالف على أحد أربعة أشياء: البينة ، الإقرار ، والنكول، والأمارة الظاهرة، إلا أن النكول يرجع إلى مجرد القرينة الظاهرة.
تطبيقات على هذه القاعدة:
قد أورد كتاب القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة تطبيقات لهذه القاعدة نذكر بعضا منها على النحو التالي:-
- من تيقن الطهارة ، وشك في الحدث فهو متطهر، أو تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو محدث، لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان خلافاً للمالكية الذين قالوا: من تيقن الطهارة وشك في الحدث، فالمشهور أنه يعيد الوضوء.
- أكل آخر النهار بلا اجتهاد، وشك في الغروب، بطل صومه، لأن الأصل بقاء النهار، ولو أكل آخر الليل، وشك في طلوع الفجر ، صح صومه، لأن الأصل بقاء الليل، ولو نوى الصوم، وشك هل طلع الفجر أم لا؟ صح صومه بلا خلاف.
- ولو مات مسلم ، وله امرأة نصرانية ، فجاءت مسلمة بعد موته ، وقالت أسلمت قبل موته، وقال الورثة : أسلمت بعد موته، فالقول قول الورثة عملاً بالاستصحاب إلا أن تثبت إسلامها قبل موته بالبينة، ويشهد لهم ظاهر الحدوث أيضاً، حيث يضيفون إسلامها الحادث لأقرب أوقاته.
- إذا اختلف المتبايعان في قبض الثمن، فالقول قول البائع أنه لم يقبض، لأنه متمسك بالأصل، وإذا اختلف المتبايعان في قبض المبيع، فالقول قول المشتري، لأنه متمسك بالأصل، إلا أن تكون هناك عادة فيُعمل بها، وإذا اختلف في انقضاء أجل الخيار فالقول لمشترط الخيار، لترجح جانبه بأنه الطالب له ، والأصل الاستمرار والبقاء والخيار.
- من ادُّعي عليه بشيء من غير بينة لا يلزمه، لأن الأصل براءة الذمة.
- من اشترى سلعة على رؤية متقدمة، فادعى أن المبيع قد تغير عن حالته التي رآه عليها، وأن البيع منحل، فقال ابن القاسم: القول قول البائع، لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان ، وقال اشهب: القول قول المشتري، لأن الأصل براءة ذمته من الثمن.
- لو باع إنسان شيئين صفقة واحدة ، فهلك أحدهما عند المشتري، وجاء بالآخر ليرده بعيب فيه على البائع بحصته من الثمن، فاختلفا في قيمة الهالك، فالقول قول البائع، لأن الثمن جميعه ثابت في ذمة المشتري، فالأصل بقاء القدر المختلف فيه في ذمته، حتى يبرهن على دعواه.
- يوافق قاعدة الاستصحاب ما ذكره الأصوليون (أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد نص بخلافه).